فصل: من فوائد القونوي في الآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولذلك يقول الله في وصف يوم الدين: {كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)} [سورة الانفطار].
فكأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في الدنيا لتمضي بها الحياة.. ولكن في الآخرة لا توجد أسباب. الملك في ظاهر الدنيا من الله يهبه لمن يشاء.. واقرأ قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير (26)} [سورة آل عمران].
ولعل قوله تعالى: {تنزع} تلفتنا إلي أن أحدا في الدنيا لا يريد أن يترك الملك.. ولكن الملك يجب أن ينتزع منه انتزاعا رغما عن إرادته.. والله هو الذي ينزع الملك ممن يشاء.. وهنا نتساءل هل الملك في الدنيا والآخرة ليس لله؟.. نقول الأمر في كل وقت لله.. ولكن الله تبارك وتعالى استخلف بعض خلقه أو مكنهم من الملك في الأرض.. ولذلك نجد في القرآن الكريم قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)} [سورة البقرة: 285].
والذي حاج إبراهيم في ربه كافر منكر للألوهية.. ومع ذلك فإنه لم يأخذ الملك بذاته.. بل الله جل جلاله هو الذي أتاه الملك.. إذن الله تبارك وتعالى هو الذي استخلف بعض خلقه ومكنهم من ملك الأرض ظاهريا.. ومعنى ذلك أنه ملك ظاهر للناس فقط.. أن بشرا أصبح ملكا.. ولكن الملك ليس نابعا من ذات من يملك.. ولكنه نابع من أمر الله.. ولو كان نابعا من ذاتية من يملك لبقى له ولم ينزع منه.. والملك الظاهر يمتحن فيه العباد، فيحاسبهم الله يوم القيامة.. كيف تصرفوا؟ وماذا فعلوا؟.. ويمتحن فيه الناس هل سكتوا على الحاكم الظالم؟.. وهل استحبوا المعصية؟
أم أنهم وقفوا مع الحق ضد الظلم؟.. والله سبحانه وتعالى لا يمتحن الناس ليعلم المصلح من المفسد.. ولكنه يمتحنهم ليكونوا شهداء على أنفسهم.. حتى لا يأتي واحد منهم يوم القيامة ويقول: يا رب لو أنك أعطيتني الملك لاتبعت طريق الحق وطبقت منهجك. وهنا يأتي سؤال.. إذا كان الله سبحانه وتعالى يعلم كل شيء فلماذا الامتحان؟.. نقول أننا إذا أردنا أن نضرب مثلا يقرب ذلك إلي الأذهان.. ولله المثل الأعلى.. نجد أن الجامعات في كل أنحاء الدنيا تقيم الامتحانات لطلابها.. فهل أساتذة الجامعة الذي علموا هؤلاء الطلاب يجهلون ما يعرفه الطالب ويريدون أن يحصلوا منه على العلم؟.. طبعا لا.. ولكن ذلك يحدث حتى إذا رسب الطالب في الامتحان.. وجاء يجادل واجهوه بإجابته فيسكت.. ولو لم يعقد الامتحان لادعي كل طالب أنه يستحق مرتبة الشرف. إذا قال الحق تبارك وتعالى: {مالك يوم الدين}.. أي الذي يملك هذا اليوم وحده يتصرف فيه كما يشاء.. وإذا قيل: {ملك يوم الدين} فتصرفه أعلى على المالكين لأن المالك لا يتصرف إلا في ملكه.. ولكن الملك يتصرف في ملكه وملك غيره.. فيستطيع أن يصدر قوانين بمصادرة أو تأميم ما يملكه غيره. الذين قالوا: {مالك يوم الدين} اثبتوا لله سبحانه وتعالى أنه مالك هذا اليوم يتصرف فيه كما يشاء دون تدخل من أحد ولو ظاهرا: والذين يقرأون ملك.. يقولون أن الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم يقضي في أمر خلقه حتى الذين ملكهم في الدنيا ظاهرا.. ونحن نقول عندما يأتي يوم القيامة لا مالك ولا ملك إلا الله. الله تبارك وتعالى يريد أن يطمئن عباده.. أنهم إذا كانوا قد ابتلوا بمالك أو ملك يطغى عليهم فيوم القيامة لا مالك ولا ملك إلا الله جل جلاله.. عندما تقول مالك أو ملك يوم الدين.. هناك يوم وهناك الدين.. اليوم عندنا من شروق الشمس إلي شروق الشمس.. هذا ما نسيمه فلكيا يوما.. واليوم في معناه ظرف زمان تقع فيه الأحداث..
والمفسرون يقولون: {مالك يوم الدين} أي مالك أمور الدين لأن ظرف الزمان لا يملك.. نقول أن هذا بمقاييس ملكية البشر، فنحن لا نملك الزمن.. الماضي لا نستطيع أن نعيده، والمستقبل لا نستطيع أن نأتي به.. ولكن الله تبارك وتعالى هو خالق الزمان.. والله جل جلاله لا يحده زمان ولا مكان.. كذلك قوله تعالى: {مالك يوم الدين} لا يحده زمان ولا مكان.. واقرأ قوله سبحانه: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47)} [سورة الحج: 47].
وقوله تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [سورة المعارج: 4].
وإذا تأملنا هاتين الآيتين نعرف معنى اليوم عند الله تبارك وتعالى.. ذلك أن الله جل جلاله هو خالق الزمن.. ولذلك فإنه يستطيع أن يخلق يوما مقداره ساعة.. ويوما كأيام الدنيا مقداره أربع وعشرون ساعة.. ويوم مقداره ألف سنة.. ويوما مقداره خمسون ألف سنة ويوما مقداره مليون سنة.. فذلك خاضع لمشيئة الله. ويوم الدين موجود في علم الله سبحانه وتعالى. بأحداثه كلها بجنته وناره.. وكل الخلق الذين سيحاسبون فيه.. وعندما يريد أن يكون ذلك اليوم ويخرج من علمه جل جلاله إلي علم خلقه.. سواء كانوا من الملائكة أو من البشر أو الجان يقول: كن.. فالله وحده هو خالق هذا اليوم.. وهو وحده الذي يحدد كل أبعاده.. واليوم نحن نحدده ظاهرا بأنه أربع وعشرون ساعة.. ونحدده بأنه الليل والنهار.. ولكن الحقيقة أن الليل والنهار موجودان دائما على الأرض.. فعندما تتحرك الأرض، كل حركة هي نهاية نهار في منطقة وبداية نهار في منطقة أخرى.. وبداية ليل في منطقة ونهاية ليل في منطقة أخرى.. ولذلك في كل لحظة ينتهي يوم ويبدأ يوم.. وهكذا فإن الكرة الأرضية لو أخذتها بنظرة شاملة لا ينتهي عليها نهار أبدا.. ولا ينتهي عنها ليل أبدا.. إذن فاليوم نسبي بالنسبة لكل بقعة في الأرض.. ولكنه في الحقيقة دائم الوجود على كل الكرة الأرضية. والله سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن عباده.. أنهم إذا أصابهم ظلم في الدنيا.. فإن هناك يوم لا ظلم فيه.. وهذا اليوم الأمر فيه لله وحده بدون أسباب.. فكل إنسان لو لم يدركه العدل والقصاص في الدنيا فإن الآخرة تنتظره.. والذي أتبع منهج الله وقيد حركته في الحياة يخبره الله سبحانه وتعالى أن هناك يوم سيأخذ فيه أجره وعظمة الآخرة أنها تعطيك الجنة.. نعيم لا يفوتك ولا تفوته. ولقد دخل أحد الأشخاص على رجل من الصالحين.. وقال له: أريد أن أعرف.. أأنا من أهل الدنيا أم من الآخرة؟.. فقال له الرجل الصالح.. أن الله أرحم بعباده، فلم يجعل موازينهم في أيدي أمثالهم.. فميزان كل إنسان في يد نفسه.. لماذا؟.. لأنك تستطيع أن تعرف أأنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة. قال الرجل كيف ذلك؟ فرد العبد الصالح: إذا دخل عليك من يعطيك مالا.. ودخل عليك من يأخذ منك صدقة.. فبأيهما تفرح؟.. فسكت الرجل.. فقال العبد الصالح: إذا كنت تفرح بمن يعطيك مالا فأنت من أهل الدنيا.. وإذا كنت تفرح بمن يأخذ منك صدقة فأنت من أهل الآخرة.. فإن الإنسان يفرح بمن يقدم له ما يحبه.. فالذي يعطيني مالا يعطيني الدنيا.. والذي يأخذ مني صدقة يعطيني الآخرة.. فإن كنت من أهل الآخرة.. فأفرح بمن يأخذ منك صدقة.. أكثر من فرحك بمن يعطيك مالا. ولذلك كان بعض الصالحين إذا دخل عليه من يريد صدقة يقول مرحبا بمن جاء يحمل حسناتي إلي الآخرة بغير أجر.. ويستقبله بالفرحة والترحاب. قول الحق سبحانه وتعالى: {مالك يوم الدين}.. هي قضية ضخمة من قضايا العقائد.. لأنها تعطينا أن البداية من الله، والنهاية إلي الله جل جلاله.. وبما أننا جميعا سنلقى الله، فلابد أن نعمل لهذا اليوم.. ولذلك فإن المؤمن لا يفعل شيئا في حياته إلا وفي باله الله.. وأنه سيحاسبه يوم القيامة.. ولكن غير المؤمن يفعل ما يفعل وليس في باله الله.. وعن هؤلاء يقول الحق سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)} [سورة النور].
وهكذا من يفعل شيئا وليس في باله الله.. سيفاجأ يوم القيامة بأن الله تبارك وتعالى الذي لم يكن في باله موجود وأنه جل جلاله هو الذي سيحاسبه.
وقوله تعالى: {مالك يوم الدين} هي أساس الدين.. لأن الذي لا يؤمن بالآخرة يفعل ما يشاء.. فما دام يعتقد أنه ليس هناك آخره وليس هناك حساب.. فمم يخاف؟.. ومن أجل من يقيد حركته في الحياة.. أن الدين كله بكل طاعاته ولك منهجه قائم على أن هناك حسابا في الآخرة.. وأن هناك يوما نقف فيه جميعا أمام الله سبحانه وتعالى.. ليحاسب المخطئ ويثيب الطائع.. هذا هو الحكم في كل تصرفاتنا الإيمانية.. فلو لم يكن هناك يوم نحاسب فيه.. فلماذا نصلي؟.. ولماذا نصوم؟.. ولماذا نتصدق؟.. أن كل حركات منهج السماء قائمة على أساس ذلك اليوم الذي لن يفلت منه أحد.. والذي يجب علينا جميعا أن نستعد له.. أن الله سبحانه وتعالى سمى هذا اليوم بالنسبة للمؤمنين يوم الفوز العظيم.. والذي يجعلنا نتحمل كل ما نكره ونجاهد في سبيل الله لنستشهد.. وننفق أموالنا لنعين الفقراء والمساكين.. كل هذا أساسه أن هناك يوما سنقف فيه بين يدي الله.. والله تبارك وتعالى سماه يوم الدين.. لأنه اليوم الذي سيحاسب فيه كل إنسان على دينه عمل به أم ضيعه.. فمن آمن واتبع الدين سيكافأ بالخلود في الجنة.. ومن أنكر الدين وأنكر منهج الله سيجازى بالخلود في النار.. ومن عدل الله سبحانه وتعالى أن هناك يوما للحساب.. لأن بعض الناس الذين ظلموا وبغوا في الأرض ربما يفلتون من عقاب الدنيا.. هل هؤلاء الذين افلتوا في الدنيا من العقاب هل يفلتون من عدل الله؟.. أبدا لن يفلتوا.. بل أنهم انتقلوا من عقاب محدود إلي عقاب خالد.. وافلتوا من العقاب بقدرة البشر في الدنيا.. إلي عقاب بقدرة الله تبارك وتعالى في الآخرة.. ولذلك لابد من وجود يوم يعيد الميزان.. فيعاقب فيه كل من أفسد في الأرض وأفلت من العقاب.. بل إن الله سبحانه وتعالى يجعل إنسانا يفلت من عقاب الدنيا.. فلا تعتقد أن هذا خير له بل أنه شر له.. لأنه أفلت من عقاب محدود إلي عقاب أبدي. والحمد الكبير لله بأنه {مالك يوم الدين} وهو وحده الذي سيقضي بين خلقه. فالله سبحانه وتعالى يعامل خلقه جميعا معاملة متساوية.. وأساس التقوى هو يوم الدين. اهـ.

.من فوائد القونوي في الآية الكريمة:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يتضمّن عدّة مسائل: إحداها سرّ الملك، وسرّ اليوم، وسرّ الدين، من كونه يدلّ على العبادة، وعلى الجزاء، وعلى الانقياد وعلى غير ذلك ممّا ننبّه عليه- إن شاء اللّه تعالى- فلنبدأ أوّلا- بعون اللّه- بالكلام على هذه الأمور من حيث الانفراد، ثم من حيث الجمع كما فعلت ذلك فيما مرّ، فنقول: سرّ الملك.
الملك: القوّة والشدّة، ويطلق على القدرة أيضا، والتصرّف. وملك الطريق في اللغة:
وسطه، وملك الدابّة- بضم الميم واللام-: قوائمها وهاديها أيضا. والملكوت مبالغة لكونه يشمل الظاهر والباطن.
وهذه المعاني التي تتضمّنها هذه الكلمة كلّها صادقة في حقّ الحقّ سبحانه وتعالى فإنّ الحقّ ذو القوّة المتين، والهادي القيّوم، والقادر على كلّ شيء، والفاعل ما يشاء، ومن بيده ملكوت كلّ شيء. وفي الملكوت سرّ لطيف، وهو أنّه مبالغة في الملك، والملك يتعلّق بالظاهر دون الباطن لأنّ الملك والمالك من الخلق لا يمكنهما ملك القلوب والبواطن، بخلاف الحقّ سبحانه فإنّه يملكهما جميعا. أمّا باطنا فلأنّ «القلب بين إصبعين من أصابعه يقلبه كيف يشاء» وكلّ ظاهر في باب الفعل والتصرّف فتبع للباطن، فملك الباطن يستلزم ملك الظاهر دون العكس.
ولهذا نجد من الناس من إذا أحبّ أحدا، انفعل له بباطنه وظاهره، وإن لم يكن المحبوب ملكه وسلطانه، ولا سيّده ومالكه بالاصطلاح المتقرّر.
على أنّ التحقيق الكشفي أفاد أنّ كلّ محبّ فإنّما أحبّ في الحقيقة نفسه، ولكن قامت له صورة المعشوق كالمرآة لمشاهدة نفسه من حيث المناسبة التامّة والمحاذاة الروحانيّة، فكان المسمّى معشوقا شرطا في حبّ المحبّ نفسه، وفي تأثيره في نفسه.
ومن أسرار ذلك أنّ الإنسان نسخة جامعة مختصرة من الحضرة الإلهيّة والكونيّة، وكلّ شيء فيه كلّ شيء وإن لم يتأتّ إدراكه على التعيين لكلّ أحد للقرب المفرط والإدماج الذي توجبه غلبة حكم الوحدة على الكثرة، فإذا قام شيء بشيء في مقام المحاذاة المعنويّة والروحانيّة كالمرآة إمّا منه أو ممّا يناسبه، صار ذلك القدر من الامتياز والبعد المتوسّط مع المسامتة سببا لظهور صورة الشيء فيما امتاز به عنه، أو عن مثله فأدرك نفسه في الممتاز عنه، وتأتّى له شهودها لزوال حجاب القرب والأحديّة، فأحبّ نفسه في ذلك الأمر الذي صار مجلاه، فافهم.
ولهذا المقام أسرار أخر شريفة جدّا لا يقتضي هذا الموضع ذكرها، وإنّما هذا تنبيه وتلويح.
ثم نقول: وقد قرئ- كما علمت- {ملك يوم الدّين} و{مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ولكلّ منهما من حيث اللغة معان ينفرد بها لا يشاركه فيها غيره.
وأهل الظاهر قد ذكروا بينهما فروقا شتّى، ورجّح بعضهم قراءة {ملك} ورجّح آخرون قراءة مالك بالألف، واستدلّ كلّ منهم على صحّة ما اختاره بوجوه تقتضيها اللسان، ولست ممّن ينقل هنا تفاصيل مقالاتهم غير أنّي أذكر من ذلك ما يفهم منه الفرق بين الكلمتين، ليتّضح بذلك حكم اللسان، ثم أتكلّم بما فتح الحقّ به عليّ في ذلك وما يقتضيه ذوقي، ولو لا قصد تطبيق الأمور الذوقيّة على ما يقتضيه المفهوم من حيث الاصطلاح اللغوي، لم أورد شيئا من كلام أهل النقل، ولكن قد استثنيت في أول التزامي المذكور في مقدّمة الكتاب هذا القدر لهذه الحكمة التي نبّهت عليها، فأقول:
من جملة ما ذكروا في الفرق بين الملك والمالك أنّ المالك مالك العبد، والملك ملك الرعيّة، والعبد أدون حالا من الرعيّة، فوجب أن يكون القهر في المالكيّة أكثر منه في الملكيّة، فالمالك إذا أعلى حالا من الملك، والملك يملك من بعض الوجوه مع قهر وسياسة، والمالك يملك على كلّ حال، وبعد الموت له الولاء.
وقالوا أيضا: الحقّ تمدّح بكونه مالك الملك- بضمّ الميم- ولم يتمدّح بكونه ملك الملك- بكسر الميم- وذلك قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ} فثبت أنّ المالك أشرف من الملك.
وقالوا أيضا: الملك قد يكون مالكا وقد لا يكون مالكا، كما أنّ المالك قد يكون ملكا وقد لا يكون، فالملكيّة والمالكيّة قد تنفكّ كلّ واحدة منهما عن الأخرى إلّا أنّ المالكيّة سبب لإطلاق التصرّف، والملكيّة ليست كذلك، فكان المالك أولى.